مفاهيم طبية خاطئة يجب أن تُصَحّح

أما الحقائق الغائبة فإن هناك حوادث قد أشارت إلى تلاعب هؤلاء، والمعامل المخبرية المتخصصة أثبتت وجود عناصر دوائية ضمن هذا الخليط العشبي كمادة " Ventolin" والمشهورة عند مرضى الربو والمسؤولة عن توسعة الشعب الهوائية؛ لذلك يظن المريض أن ذاك الخليط السحري قد أدّى نتائجه في وقت قصير؛ واكتشف أيضا مادة " الكورتيزون" الدواء الأساسي والمسؤول عن منع الالتهابات المزمنة والحادة (والمادة الرئيسة لعلاج معظم أمراض السرطان) قد دخلت ضمن هذا التكوين الخليطي؛ ومنها أيضا أدوية خافضة للحرارة قد امتزجت بالخليط المزعوم توصف للمريض المصاب بالحرارة المزمنة، وقد اعتصر جسده بآثارها فيطرب لذلك فرحاً وقد تعلق قلبه بسراب هذه الخلطات التي تغير من حدة المرض مؤقتاً ثم لا يلبث أن يعود المرض مرة أخرى؛ لكن هذه المرة أشد فتكاً وفراسة يستحيل معها العلاج وخصوصاً ما يتعلق بالأورام الخبيثة فتصبح أكثر خبثاً وصعوبة بعد أن انتشر المرض واستفحل؛ والأمثلة لدينا كثيرة مأساوية.

       أما الحقيقة الأخرى فهي أن العلاج الكيماوي على سبيل المثال لمقاومة الأمراض السرطانية هو علاج نتاج مخاض سنوات عديدة من البحث والتجارب بين أروقة المختبرات والمعامل قد مرّ في مراحل عديدة من الدراسات الطبية والمقارنات المرحلية؛ حتى يُهيّأ ويوصف للمريض المصاب، وقد قُتل بحثاً وتقصّياً، واختبر في مقاومته للخلايا السرطانية العدوانية ومدى حساسية هذه الخلايا لهذا الدواء؛ وآثاره في الخلايا السليمة.
         إنها دراسات مضنية ومتتالية تُصرف فيها الملايين من الدولارات، تبدأ على أجساد الحيوانات لاكتشاف تأثيرها الوقتي والمستقبلي والآثار الناجمة عن ذلك، وتنتهي بصرفها للمريض بعد أن تمرّ بسلسلة من الدراسات والتجارب حتى يُعطى لها الضوء الأخضر لاستخدامها من قبل هيئات عالمية صحية معترف بها كالهيئة الصحية والغذائية الأمريكية والمعروفة" FDA" .
       ولا يُوصف العلاج الكيماوي إلا أن يكون ضمن جدول زمني محدّد تختلف المدة باختلاف نوع السرطان ومدى انتشاره؛ قد يصل العلاج إلى فترة زمنية طويلة تصل إلى سنتين أو أكثر لعلاج سرطان الدم الحاد على سبيل المثال؛ ومعظم فترات العلاج للسرطانات الأخرى لا تقل عن سنة واحدة؛ كل ذلك الجهد الطبي نما عن دراسات متأنية تحسباً لظهور الخلايا الخبيثة مرة أخرى في نفس المكان أو أماكن أخرى وحينها يصعب العلاج، و يصعب التخلص منه.
       بعد هذا التواصل الطبي المتأني لمعرفة الأسباب والتشخيص، ومن ثم العلاج يأتي من يسفّه ذلك كله بوصفة مخلوطة مزعومة، وقد اختلط فيها الحابل بالنابل؛ فهذا الخليط موسوم لعلاج داء البُهاق، وذاك لعلاج الصداع، وآخر لعلاج أدواء البطن حتى غدا الطبيب والصيدلاني في آن واحد.
 
       وأذكر في هذا المقام على سبيل الحصر أن طفلاً قد أُصيب بمرض سرطان الغدد العصبية في الغدة الكظرية، وقد تم اكتشاف المرض في مراحله الأولى بالأدلة الطبية المتاحة، وتمّ التعريف بالمرض والعلاج والمضاعفات الممكنة؛ ولكنا فوجئنا باختفاء ولي أمر المريض مع ابنه بعد رفض العلاج الكيماوي؛ وبعد أكثر من (6) أشهر عاد المريض بعد انتشار المرض في أكثر من عضو في جسمه؛ وقد استعصى على العلاج العشبي الموصوف من قبل مدّعي الطب؛ وأكل المرض جسده حتى كسا العظم الجلد، وصار الجسم بالياً خلقاً لولا أن تداركه نعمة من ربه فتماثل للشفاء بفضل من الله، ثم استمرار العلاج الكيماوي الخاص في مثل هذه الحالات ضمن
جدول زمني محدد .
         الحقيقة الغائبة الأخرى؛ هي اعتقاد الناس أن مرض السرطان هو مرض واحد لا يُعرف إلا أنه قاتل إذا أصاب الجسد؛ وهذا خطأ شائع حيث إن مرض السرطان يشمل العشرات بل المئات من الأنواع المختلفة التي قد تصيب جسد الإنسان من رأسه إلى أخمص قدميه، وهي تختلف باختلاف نوع الخلية السرطانية التى ينشأ منها؛ فسرطان الدم يختلف عن سرطان الثدي اختلافا طبياً ونسيجياً وجينياً، وبالتالي يختلف في كُنه العلاج الكيماوي، ومدى استجابة هذه الخلايا للعلاج، ونسبة الشفاء منه، وكذا في سائر الأنواع، وحتى في النوع الواحد قد تجد اختلافات جوهرية بين خلاياه والشفاء منه؛ فسرطان الدم الحادّ يختلف عن سرطان الدم المزمن الذي عادة ما يصيب الكبار، وهذه الاختلافات بائنة في التشخيص والعلاج.
       والمعروف بالدراسات الطبية أن مجمل سرطانات الأطفال تستجيب للعلاج الكيماوي عن غيره لدى الكبار، فنسبة اختفاء هذا المرض في الأطفال أكثر منه في الكبار وقس على ذلك معظم الأنواع الأخرى.
      هذا التطور الملحوظ في التشخيص والعلاج لهذا النوع من الأمراض قد بدّد الصورة القاتمة عنه والمعروفة خطأ من لدن الناس التي هي بحاجة إلى تصحيح ودراية حتى يُتمكَّن من تشخيص المرض في مراحله الأولى قبل انتشاره.
 
      ومفهوم آخر خاطئ يعتقده بعض أقارب المرضى أن أول الدواء هو الكي؛ فحديث نبينا -صلى الله عليه وسلم- واضح أشد الوضوح أن آخر الدواء هو الكي بل إنّ هناك أحاديث نهى فيها صلى الله عليه وسلم أمته عن الكي؛ فعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:( الشفاء في شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهى أمتي عن الكي) أخرجه البخاري في كتاب الطب باب الشفاء, لذلك فليس من الغرابة أن نسبة ليست بالقليلة من المرضى المحالين إلى المراكز المتخصصة لعلاج السرطان قد غطّت أجسادهم آثار الكي الملتهبة طبياً حتى إن بعضهم انتهى أمره في العناية المركزة جراء شدة الالتهابات الجلدية، وآخر تأخر علاجه الكيماوي بسبب مضاعفات الكي كل ذلك بسبب القصور في فهم أحاديثه صلىّ الله عليه وسلم.
ختاما؛ ليس من العيب أن يعترف الإنسان بخطئه ولكن العيب أن يستمر فيه.

اقرأ أيضا:  النّتائج الايجابيّة الكاذبة للماموغرام لها آثار طويلة الأمد

د.عبد الله أبوبكر باعثمان  – استشاري أمراض الدم والأورام مستشفى الحرس الوطني بجدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *