الوقاية من الإعاقة من المنظور الإسلامي

وقد عني الإسلام برعاية الضعفاء والمرضى والمعوقين منذ بدء الرسالة ورسم دستوراً للعمل الاجتماعي الذي يضمن حقوقهم أسوة بالأصحاء من أتباع الرسالة، واكبر دليل عل مدى حرص الوحي الإلهي بأتباع الدين الجديد ما ورد من عتاب صريح لنبي هذه الأمة بسبب الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم حين قال الله تعالى "عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى" (عبس: 1-4).  وقد نتج عن هذا الدستور الاجتماعي مظاهر للتكليف والحقوق والواجبات للفئات الضعيفة من المؤمنين حيث قال عز من قائل " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج…. الآية" (الفتح: 17)، وقال تعالى " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" (التوبة: 91

وتأتي الوقاية من أسباب الإعاقة من أولويات التنظيم الإسلامي لرعاية الأبناء حيث أوجب رعاية الأم الحامل وبين حقوق الرضاعة للمولود، وحبب في اختيار الأسماء المناسبة المبشرة والابتعاد عن الأسماء المنفرة. كما بين أساليب الطهارة والنظافة التي تضمن بقاء الصحة تاج على الرؤوس. ومن ضمن هذه الحدود ما وضع من مبادئ ونظم لحماية المجتمع من الأمراض المزمنة والإعاقات التي تحد من فاعلية الفرد المسلم.
 
من هذا المنطلق، تأتي هذه الورقة لتبين منظور الإسلام (القرآن والسنة) للوقاية من الإعاقة، حيث تتطرق الورقة للتالي:
o الأمراض الوراثية.
o زواج الأقارب
o اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة.
o رعاية الأم الحامل.
o سبل الوقاية من الأمراض.
o كيفية المحافظة على صحة الفرد وتجنب الحوادث والإصابات.
o الطهارة والنظافة.
 
مقدمة:
 إن من فضل الله عز وجل بأمته تكريمه للإنسان بحسن خلقه حيث قال تعالى " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك" (الانفطار: 6-8)، وأكد هذا التكريم قوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (الإسراء: 70). وقد جاء التكريم الإلهي للإنسان  في مجالات شتى منها: خلقه على الفطرة حين قال " فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله…. الآية" (الروم: 30). كما كرمه عز وجل  بتسخير القوى الكونية له ولذريته في الأرض، وإعلان التكريم  في كتابة العزيز، والنعم الكثيرة التي كرمه الله عز وجل بها والمتمثلة في نعمة العقل والعلم والبيان والنطق. كما تجلى التكريم في تقرير الله عز وجل بأنه خلق الإنسان بيديه الكريمتين حين قال عز من قائل " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين" (ص: 75).
 
       ومع كل هذا التكريم الإلهي للإنسان إلا أن الله جلت قدرته وضع نقاط ضعف تتجلى في حرمان البعض من نعمة العقل أو الكمال الحسي أو الجسمي حيث قال تعالى " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" (النساء: 28)، وقال جل وعلا " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا" (النساء: 98).
       فالإنسان يبدأ ضعيفاً في مرحلة طفولته، وشيئاً فشيئاَ يقوى حتى يبلغ أشده، حيث كمال القوة والعقل، ثم يبدأ بالتراجع حتى يصل إلى مرحلة أرذل العمر، مرحلة الشيخوخة والعجز. ولقد بين ذلك رب العزة والجلال في قوله " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً…….الآية" (الحج: 5). وقال تعالى "هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً، ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون" (غافر: 76).
      ولقد بين الله عز وجل واجبات التكليف على من تثبت أهليته لهذا الضعف حين قال  " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" (التوبة: 91)، وقال تعالى " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج…. الآية" (الفتح: 17)، وقال جل وعلا " ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون، وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم" (النحل: 76). كما قال عز وجل " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب الله لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما" (النساء:127).
     
والإعاقة مظهر من مظاهر الابتلاء التي يمتحن الله عز وجل بها قلوب المؤمنين، فمن صبر عليها كان له الثواب الجزيل يوم القيامة. قال تعالى " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن" (الفجر: 15-16)، وقال  سبحانه وتعالى " إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا أنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا" (الإنسان: 2-3) ، وقال رب العزة والجلال " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم" (محمد: 31)، كما قال تعالى " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" (البقرة: 155-156). وهذه الآيات تبين موقف الإسلام العام من الأمراض والإعاقات وهو القبول والرضا عملاً بقوله تعالى " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا" (النساء: 19). وما قصة مرض نبي الله أيوب عليه السلام بغريبة على الجميع حيث كانت ابتلاء له جزاه الله به خيراً عندما صبر واحتسب ، فقد قال الله عز وجل " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم" وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أصابه خير شكر وإن أصابه شر صبر" رواه البخاري.
 
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته فيهما الجنة". رواه البخاري، ويعني بحبيبتيه "عينيه" .
       وقد جاء في تفسير ابن كثير لقول تعالى " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم أست بربكم …. الآية" (الأعراف: 172)، أن أبي هريرة رضي الله عنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك وإذا فيهم الأجذم، والأبرص، والأعمى، وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ فقال عز وجل: كي تشكر نعمتي"
   وابتلاء الله لعبده في الدنيا ليس دائماً نتيجة لسخط الله عليه عز وجل ، بل قد يكون لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، قال تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربهُ بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" (البقرة: 124). فإذا تلقى الإنسان ذلك البلاء بالرضا والصبر نال رضا الرب وحقق المراد بالإيمان الصادق بقضاء الله وقدره. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال " إذا رأى أحدكم مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من عباده تفضيلا، كان شكر تلك النعمة " أخرجه الطبراني والترمذي.
       ومن المفترض أن يُلفت ابتلاء الله لعبده بالإعاقة انتباه المؤمنين المحيطين به ويساعدهم على التعلق أكثر بالطاعات من تلاوة قرآن وصلاة وفعل النوافل، وشكر وحمد الله عز وجل على نعمه التي أنعم بها عليهم وجنبهم ذلك النقص، وبهذا يخلصون التوجه إلى الله تعالى بالرجاء والدعاء، فتكون الإعاقة بذلك سبيلاً لتكفير الذنوب والسيئات والخطايا، ففي حديث للرسول صلى الله عليه وسلم رواه سعد بن أبي وقاص أنه قال " فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة" رواه ابن ماجه. وقال الله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" (فصلت: 53).
وكما هو معروف ومتداول أن رعاية المعوقين  قد مرت بمراحل عديدة متباينة عبر الأزمنة التاريخية المتلاحقة والحضارات المتعاقبة، حيث تأرجحت الرعاية ما بين الرفض والعزل التام والاندماج في طبقات المجتمع المختلفة. لقد ظل المعوقون لفترة طويلة عرضة للسخرية وسوء المعاملة والاضطهاد الذي وصل في بعض المجتمعات القديمة إلى درجة استخدام أساليب وحشية في تعذيبهم وقتلهم، أو حرمانهم من كافة حقوقهم وواجباتهم.  غير أن ظهور الأديان السماوية، وخاصة الدين الإسلامي بدل تلك النظرة الدونية والاتجاهات السلبية للمجتمعات تجاه المعوقين حيث ظهر تفهم تلك المجتمعات لحالات الإعاقة، وبدا مظهر من مظاهر التقبل وكفل الحقوق عندما بزغت فكرة إنشاء الملاجئ التي توفر للمعوقين والمعوزين والعجزة المأوى والغذاء والكساء وبعض مظاهر العلاج البسيط .
 
     ومن أبرز الشواهد على حرص الإسلام والمسلمين على رعاية كافة فئات المعوقين ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عندما مر على قوم مجذومين من النصارى وهو في طريقة إلى الشام، أمر بان ينفق عليهم من بيت المال وأن يُجعل لكل واحد منهم من يخدمه ويقوم على شؤونه. وكذل ما جاء عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه عند ما خصص للأعمى قائداً وللعاجز خادماً، تجري نفقاتهم جميعاً من بيت المال. وقد أنشأ الوليد بن عبدالملك ديواناً خاصاً لهذه الفئة في دمشق أسماه "ديوان المرضى".
بيد أن الاتجاهات السلبية من قبل أفراد المجتمعات المختلفة لم تتبدل تجاه المعوقين إلا مع تطور المفاهيم الحديثة في التربية الخاصة، وتطبيق أساليب الدمج المختلفة التي أعطت لأفراد هذه الفئة الحقوق المسلوبة وجعلتهم يجلسون جنباً إلى جنب مع أقرانهم العاديين، وهذا الوضع ليس بجديد على المجتمع الإسلامي الذي آخى  بين الحر والعبد والأبيض والأسود والفقير والغني والضعيف والقوي حين قال الله تعالى " …. إنما المؤمنون إخوة…. الآية" (الحجرات: 10)، وقال جل وعلا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الحجرات: 13). وأكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الاتجاه الإنساني حين قال " أبغوني في الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم" .
والوقاية من الإعاقات من أبرز المفاهيم الأساسية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة التي لم يغفل عنها التشريع الإسلامي، بل وكان الرأي فيها صريحاً لتجنيب المجتمع الإسلامي الضعف الناتج عنها. أضف إلى ذلك المكانة العظيمة للأبناء في نفوس آبائهم حيث قال تعالى " المال والبنون زينة الحياة الدنيا…. الآية" (الكهف: 46).
 
الوقاية من الإعاقة في التشريع الإسلامي:
 الوقاية في اللغة بمعنى الصون والسترة عن الأذى، أي حفظ الشيء من التلف أو الآفات الضارة، وحماه منها، قال تعالى "فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا" (الإنسان:11)، وقال عز وجل " فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم" (الطور:18)، وقال تعالى " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم" (الدخان: 56)، أي حماهم وستر عنهم عذاب النار. وقال رب العزة والجلال " والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم… الآية" (النحل: 81)، ويقول عز وجل " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة… الآية" (التحريم: 6)، بمعنى صيانتهم وسترهم عن نار جهنم.
 وقد وردت كلمة وقاية في القرآن الكريم بألفاظ عدة وفي مواضع كثيرة لتؤكد فريضة حماية الإنسان لنفسه ومن يعولهم من جزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأن السبيل إلى ذلك هو تجنب المعاصي وترك الشهوات والالتزام بأوامر الله وطاعته والتقرب منه في السر والعلن، قال تعالى " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً فقنا عذاب النار" (آل عمران: 190-191).
 وتعرف الوقاية اصطلاحاً بأنها مجموعة الإجراءات والخدمات المقصودة والمنظمة، التي تهدف إلى الحيلولة دون/ أو الإقلال من حدوث الخلل أو القصور المؤدي إلى عجز في الوظائف الفسيولوجية أو السيكولوجية، والحد من الآثار السلبية المترتبة على حالات العجز، بهدف إتاحة الفرصة للفرد لكي يحقق أقصى درجة ممكنة من التفاعل المثمر مع بيئته، بأقل درجة ممكنة من المحددات، وتوفير الفرصة له لأن يحقق حياة أقرب ما تكون إلى حياة العاديين. هذا يعني أن إجراءات الوقاية من الإعاقة لا تقتصر على الحيلولة أو التقليل من احتمالات حدوث الإصابة وحسب، بل يجب أن تشتمل على إجراءات أخرى للحيلولة دون تطور الإصابة إلى حالة من العجز، أو تطور العجز إلى حالة من الإعاقة. وعلى هذا الأساس فإن إجراءات الوقاية قد تكون ذات طابع طبي أو اجتماعي أو تربوي أو تأهيلي .
 
مستويات التعامل والحد من الاعاقة:
ولقد حددت منظمة الصحة العالمية ثلاثة مستويات للحد من الإعاقة، هي:
المستوى الأول:
إزالة العوامل المسببة للإعاقة، وتتضمن إجراءات صحية واجتماعية مختلفة كالتحصينات ضد الأمراض ، تحسين مستوى رعاية الأم الحامل، والتوعية بالأسباب، والتغلب على مشكلات الفقر،…. إلخ.
المستوى الثاني:
خدمات الكشف عن الإصابات ومواطن الخلل وإجراءات التدخل المبكر لمنع المضاعفات الناتجة عن حدوث العوامل المسببة لحالات الإصابة وضبطها، كالفحوصات الطبية والاختبارات المختلفة للكشف المبكر عن حالات الخلل الفسيولوجي والعيوب التشريحية أو الاضطرابات النفسية.
المستوى الثالث:
إجراءات التقليل من الآثار السلبية المترتبة على حالات القصور والعجز، والتخفيف من حدتها ومنع مضاعفاتها. تشمل هذه الإجراءات الخدمات التربوية الخاصة أو التدريب والتأهيل، أو تقديم الأجهزة والوسائل المعينة، أو خدمات العلاج الطبيعي وعلاج النطق والكلام وغيرها.
 
لقد وقف التشريع الإسلامي من أسباب الإعاقات مواقف حازمة تستند على الوقاية لتجنبها وحماية المجتمع المسلم من الوقوع فريسة للوهن والضعف بسبب الأمراض المزمنة والعاهات لأن السمة الغالبة على هذا المجتمع هي القوة، حيث قال الله تعالى " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما" (النساء: 95). وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى قوله " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" رواه الترمذي.
 
 وقد حبذ الدين الإسلامي قيام المسلم بهذا المهمة من باب التعاون على البر والتقوى حين قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (المائدة: 2)، حيث أن مهمة والوقاية تقع على عاتق أفراد الأسرة كافة، بل على المجتمع أجمع، لأنها وظيفة تكاملية لكل فرد من المحيطين بالمعاق دور مناسب. والتحبيذ يأتي أيضاً من باب التعاطف والتراحم والتودد والتحابب، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه مسلم، وقال " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أخرجه الترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"، "ولا تنزع الرحمة إلا من شقي"، "الراحمون يرحمهم الرحمن، أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" أخرجهم الترمذي. من هذا المنطلق، يحرص الإسلام على بناء المجتمع المتكاتف الذي يقف أبناءه جنباً إلى جنب أثناء الابتلاء والمصائب.
 
ومن ضمن الاحترازات التي قدمها الإسلام في هذا الصدد ما يلي :
الوقاية من الأسباب الوراثية:
من أهم ما تدعو إليه الشريعة الإسلامية للمحافظة على المجتمع رعاية النسل حيث بدأ الأنبياء بهذه الرعاية بما اشتمله دعائهم للرب أن يرزقهم ذرية طيبة، حيث قال زكريا عليه السلام "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة" (آل عمران: 38)، ويقول المؤمنون الصادقون كذلك "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" (الفرقان: 74).
 
ولا تكون الذرية قرة عين تطيب بها النفس وتهنأ بها الحياة إلا عندما تكون سليمة معافاة ؛ لكن عندما تكون هذه الذرية مصابة بإعاقة ما أو ناقصة في الخلق، أو متخلفة فإنها تصبح عبئاً ثقيلاً ليس على الوالدين وحسب، بل على المجتمع بأسره. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " تخيروا لنضفكم فإن العرق دساس" أخرجه ابن ماجه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم " إياكم وخضراء الدمن، قالوا وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء" أخرجه الدار قطني، كما قال عليه السلام " إن النطفة إذا استقرت في الرحم احضرها الله تعالى كل نسب بينها وبين آدم" أخرجه ابن جرير. هذه الأقوال وغيرها من المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم تؤكد على أهمية العوامل الوراثية التي تنتقل من الآباء والأمهات إلى الأبناء والأحفاد، ولم تقتصر هذه العوامل على ما يتعلق منها بالأمراض الجسمية وحسب، بل تشمل كذلك الأمراض الأخلاقية والنفسية. كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ط تخيروا لنضفكم وانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم" رواه ابن ماجه.
 
وأهم الصفات الخلقية موضوع التخير في الأحاديث السابقة ما يلي:
o صفة العقل والفطنة والذكاء: على الرجل أن يجتهد عند اختيار الزوجة بأن تكون قدر الإمكان عاقلة فطنة سريعة البديهة، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة، حيث قيل " اجتنبوا الحمقاء، فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء".
o صفة حسن المنظر والهيئة (الجمال): هي عامل مهم وأساس في عفة كل من الرجل والمرأة، ومن العوامل النفسية المساعدة على استقرار الحياة الزوجية، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" أخرجه البخاري.
o صفة التودد والمحبة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" أخرجه أحمد وأبو داود.
o صفة صحة البدن لدى الرجل والمرأة: تعرف صحة البدن لدى الرجل والمرأة من خلال الفحوص الطبية ودراسة شجرة العائلة سواء أكنت من القرابة أم من بعيد. وقد أكد حديث الرسول على ذلك في قول للصحابي الذي أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فأنظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً" ، والشيء مثل الغمش، وقيل صفر." أخرجه مسلم.
 ومما يدعم دور الدين الإسلامي في هذا الصدد ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه حين قال أن رجل من بني فزاره جاء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ولدت امرأتي غلاماً أسودا، وهو يعرض بأن ينفيه من نسبه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: هل لك من إبل؟ قال: نعم، فسأله الرسول قائلاً: ما ألوانها؟ قال: حمر، فقال الرسول: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لأورقاً، فقال الرسول: فأنى أتاها ذلك؟ فرد الرجل قائلاً: عسى أن يكون نزعة عرق، فقال الرسول: فهذا عسى أن يكون نزعة عرق، ولم يرخص له في الانتفاء من نسب الطفل" أخرجه البخاري. هذا الحديث يبين مدى تعمق الإسلام في تعميق مفهوم الصفات الوراثية المتنحية التي قد تكون غير ظاهرة في أي من الوالدين؛ ولكنها تظهر في الوليد، لأن الأبوين يحملان هذه الصفة دون أن تظهر عليهما.
 
وقد وضع الإسلام حداً لتأثير العوامل الوراثية وذلك وفق الأسس التالية:
o التأكيد على مكانة الذرية الطيبة والابتعاد عن كل ما يفسد العنصر البشري جسدياً ومعنوياً.
o تحديد مصادر إفساد الذرية في الأزواج والزوجات الطيبين.
o ضرورة اختيار العرق الصالح لئلا يظهر التشويه والإعاقة في المولود.
o الابتعاد قدر الإمكان من المرأة ذات المنبت السيئ، وهو أمر منطقي وممارس في معظم الأحيان، حيث يؤكد على ضرورة اختيار الزوجة الجيدة الصحيحة البدن والبعيدة عن الأمراض والعاهات في أسرتها، والبعيدة عن الانحرافات في سلوكها.
 
زواج الأقارب:
حرص الإسلام أشد الحرص على التناسل والتكاثر، وحث على الزواج ورغب فيه حتى يقوى المجتمع الإسلامي بأبنائه، فقد روى ابن يسار أن رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال " إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال، وإنها لا تلد، أفاتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" رواه أحمد. وبهذا الأسلوب يكون الإسلام قد شرع المؤيدات الشرعية لتحقيق الغاية من الزواج وبناء الأسر القوية السليمة والخالية من الأمراض، وخاصة الوراثية منها؛ فقد حث الإسلام على الزواج الذي ينتج التناسل ورغب في زواج الودود الولود، ونهى عن زواج المرأة العقيم لأن زواجها لا يحقق الغاية من الزواج ولا يترتب عليه الطمأنينة والاستقرار في الأسرة، حتى وإن كانت قريبة وذات حسن وجمال. 
ومسألة زواج الأقارب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعد الأمراض الوراثية، حيث أصبح من الثابت علمياً أن زواج الأقارب ينتج عن نسلاً ضعيفاً، حتى ولو بعد عدة أجيال، لذلك حرص الإسلام على التنبيه من مغبة التمادي في مسألة الإصرار على زواج أبناء وبنات الأعمام والأخوال لبعضهم البعض، حيث جاء عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه روى عن الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: " اغتربوا لا تضووا" أي تزوجوا الغريبات حتى لا يضعف النسل. وقد روي عنه أيضاً قوله " لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياً"، أي نحيفاً. ويعزز هذا التوجه ما ذهب إليه الإمام الشافعي حين قال: أيما أهل بيت لم تخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم كان في أولادهم حمق. وغالباً ما يشيع هذا العرف في بعض الأسر العريقة والقبائل الممتدة مما يستدعي ظهور الأمراض الوراثية المتنحية .
 
وقد توصل العلماء المعاصرون إلى أن الأمراض الوراثية على ثلاثة أنواع:
o الأمراض الوراثية السائدة:
تحدث عندما يكون أحد الزوجين مصاباً بمراض وراثي ويورثه لنصف أبناءه ذكوراً وإناثا، فإن كانوا أربعة أصيب منهم اثنان ونجا اثنان، وإن كانوا ستة أصيب ثلاثة منهم ونجا ثلاثة.
o الأمراض الوراثية المتنحية:
 تحدث عندما يتم الزواج بين زوجين حاملين لمرض وراثي واحد، وإن عدم ظهور المرض عند الآباء والأجداد لا ينفي دور الوراثة. وقد أكدت الدراسات على أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين هذا النوع من الأمراض الوراثية وبين زواج الأقارب، فهذا النوع من الزواج يزيد من فرص إصابة الأبناء ببعض الأمراض الوراثية إلى 26 ستة وعشرين ضعفاً أو أكثر. وكما هو معروف فإن هناك أمراض وراثية معينة في عائلات معينة هي أكثر شيوعاً، وبالتالي يؤدي الزواج من أفرادها إلى نقل هذه الأمراض إلى الأجيال القادمة، وكلما بعدت درجة القرابة بين الزوجين قل احتمال انتقال المرض إلى أطفالهم.       
 من هذا المنطلق شرع علماء المسلمين على ضرورة القيام بالفحص قبل الزواج للعروسين خشية أن يحمل أحدهما بعض العوامل المرضية المؤدية إلى إصابات أو عجز ينتج عنها إعاقات عند الأولاد لا سمح الله. فإذا كانت الوسيلة متوفرة، والله عز وجل أمر بعدم تعريض النفس إلى التهلكة فإن الواجب على بني البشر الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله فيما يتعلق بنصيب الزواج، وعليه فإن مفهوم الوقاية في الإسلام تستند على تجنب المكروه قبل وقوعه.
 
الأهداف الأساسية للفحص قبل الزواج:
وخلاصة القول أن الفحص الطبي قبل الزواج له أهداف أساسية وهي:
o التنبؤ بحدوث بعض الأمراض التي قد تحصل بعد الزواج والوقاية منها.
o الحد من نقل الأمراض الوراثية التي قد تنتقل بالزواج وما يترتب عليها من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية للعائلتين.
o الحد من الأخطار الصحية والأمراض المعدية للأزواج والمواليد، وخاصة لتلك الأخطار التي قد تتفاقم عن طريق الزواج نفسه.
o تقييم قدرة كل من الذكر والأنثى على الإنجاب والحد من المشاكل التي قد تحدث بعد الزواج.
o المساعدة في إعطاء المشورة للخاطبين وترك حرية الاختيار لهما في إتمام مشروع الزواج أو إلغائه.
o اكتشاف الجينات الوراثية غير الطبيعية عند كلا الخاطبين.
o ضبط حدوث بعض أنواع الإعاقات، وخاصة الموروثة منها والتي تعتمد على وجود جين سائد أو متنحي عند أي من الخاطبين.
o المحافظة على مستوى الصحة والارتقاء بالمستوى الصحي والاقتصادي للمجتمع.
 
وقد يلجأ الأهل إلى حسم قضية الأمراض الوراثية بعد عقد النكاح أو الزواج بإتباع بعض الإجراءات التالية:
o فسخ عقد النكاح – وهو إجراء احترازي وقائي، خاصة في حالة وضوح أسباب احتمالية الإنجاب المصاب، كوجود حالات جنون أو جذام أو برص أو ما شابه ذلك في عائلة أحد الخاطبين.
o منع الحمل للضرورة أو الحاجة.
o التحكم في جنس الجنين للضرورة كما لو أن المرأة تلد ذكوراً مشوهين يموتون بعد فترة معينة، بينما الإناث لا يحصل له ذلك.
o تعدد الزوجات للحاجة أو الضرورة، وخاصة في حالة اكتشاف الزوج أن هناك صفات متنحية عند زوجته الأولى ولا يريد أن ينفصل عنها، وبالتالي يمنع الحمل منه ويتزوج بأخرى.
 
وجوب اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح:
لا يقتصر الصلاح كما قد يفهم البعض على صلاح الأخلاق والدين، وإنما يشمل كذلك الخلو من الأمراض الوراثية والمعدية التي قد تنتقل من أحد الزوجين إلى الأبناء، لذا ينبغي أن تتوافر في طرفي الإنجاب: الزوج والزوجة شروطاً صحية تبعد عنهما شبح الإعاقة في الأبناء، وقد تشتمل هذه الشروط على شروط أخلاقية ونفسية وصحية وبدنية. ويمكن تحقيق هذا الأمر بإجراء الفحوصات المتنوعة وبدراسة تاريخ أسرتي الزوج والزوجة. لقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" أخرجه البخاري، وبهذا التوجيه الصريح يكون على عاتق الولي أو من بيده عقد النكاح مسئولية التأكد من الصلاح في الخاطبين لضمان استقرار وطمأنينة الأسرة المسلمة. وليس هناك ضرر من لجوء الخاطبين إلى ما يسمى بالعيادات الاستشارية الطبية والنفسية والاجتماعية، أو حتى اللجوء لذوي الخبرة والحكمة من علماء المسلمين وأقارب الأسرتين لتبصيرهما بما ينبغي عليهما عمله للتأكد من صلاح كل منهما.
 
العناية بالأم الحامل:
إن مراحل الحمل المختلفة هي من أخطر الفترات الصحية والنفسية التي تمر بها المرأة لما تتضمنه من تقلبات وتغيرات فسيولوجية ونفسية عديدة، لذا يؤكد الأطباء والعلماء على ضرورة العناية بها طبياً ونفسياً واجتماعياً، وتجنبيها قدر المستطاع ما يعكر صفوها أو يزعجها أو يقلقها، أو يجعلها تتعرض لإصابات أو أمراض لا سمح الله. ولقد أكد الدراسات على أن رعاية الأم الحامل رعاية صحية دقيقة أثناء الحمل يمنع كثير من المضاعفات والإصابات والتشوهات والأمراض التي قد تصيب الجنين بالإعاقة، وبرعايتها يمكن التغلب على كثير من الأمراض الوراثية الخطيرة، أو على الأقل تجنب كثير من مضاعفاتها.  ويأتي وجوب الرعاية للأم الحامل من أصل الرعاية التي فرضها الإسلام على الولي سواء كان أباً أو زوجاً أو حاكماً حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" أخرجه مسلم.

اقرأ أيضا:  الاعاقة السمعية : التدريب الكلامي للأطفال ذوي الإعاقة السمعية

الوقاية من الأمراض:
كما اعتنى الإسلام بتكوين الأسرة السليمة الصحيحة عن طريق اختيار الشريك الزوجي، فإنه يسعى دائماً إلى بقاء السعادة الزوجية في أعلى مستوياتها عن طريق تقديم النصائح والإرشادات الصحية المهمة لتجنب الإصابات أو الأمراض المعدية والمزمنة، وضرورة التداوي بما هو مفيد والابتعاد عن كل ما هو ضار، مع الحرص على الاعتناء بالصحة العامة في جميع الأحوال، قال تعالى " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" (البقرة: 195). وقد ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " فر من المجزوم فرارك من الأسد"، وقال أيضاً " لا يورد ممرض على مصح". وقال عليه السلام " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" أخرجهم البخاري.
والإسلام دين الفطرة لأن الشريعة وضعت أساساً للمحافظة على الضروريات الخمس: الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول " خذ من صحتك لمرضك".
ويدخل في هذا التوجه من الوقاية الاهتمام بالنظافة التي تُعد في الإسلام من المسلمات، وهي تشمل نظافة القلب ونظافة البدن. فنظافة البدن تشمل نظافة البيئة والمجتمع والبيت والأسرة عموماً بأفرادها منذ طفولتهم إلى حين الوفاة. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال " خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب" كما أوصى بنظافة المأكل والملبس والمشرب لأنها من الوسائل الناقلة للأمراض، كما أوصى بالطهور الدائم لاسيما في الإقبال على الصلاة والاغتسال بعد النكاح.
كما أوصت الشريعة الإسلامية بضرورة التغذي بما هو طيب والبعد عن الخبيث من المأكل والمشرب لما له من تأثير فعال في تجنيب الإنسان الأمراض، قال تعالى " كلوا من طيبات ما رزقناكم" (طه: 81)، وقال تعالى " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات.. الآية" (المائدة: 4). وقال عز وجل " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب" (المائدة: 3).
 
كما حرص الإسلام على تجنيب المجتمع الأمراض الجنسية عندما حرم الاتصال الجنسي غير المشروع، قال تعالى " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" (الإسراء: 32). فالاتصال الجنسي غير الشرعي لا يجلب إلا الأمراض المعدية والقاتلة والتي من آخرها حتى الآن مرض نقص المناعة المكتسبة " الإيدز" والعياذ بالله. فكم من زوجة ابتليت بهذا المرض الخبيث بسبب أنانية زوجها ودناءة نفسه ووقوعه في الحرام. يقول الله عز وجل " والذين لا يدعون مع إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما" (الفرقان: 68). وهذا الأمراض غالباً ما تؤدي إلى إضعاف النسل والتأثير على الرحم الذي يحتضن الجنين، وقد لا يقتصر الخطر في هذه الحالات على الأم الحامل والجنين فقط ، بل قد يمتد إلى مرات الحمل المستقبلية.
ويدخل أيضاً في باب الوقاية من الأمراض التحذير من تعاطي المخدرات وشرب الخمر لما فيهما من أضرار عظيمة على الإنسان، سواء المتعاطي نفسه أم نسله، قال تعالى "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" ( البقرة: 219)، وقال جل وعلا " يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" (المائدة: 90). فتعاطي المخدرات بجميع أنواعها وسائر أسمائها من أخطر الأمراض الاجتماعية والصحية التي لا تضر بالفرد وحده بل بالمجتمع ومقدراته. وإدمان المخدرات والمسكرات من أهم أسباب انتشار الإعاقات في المجتمع، وغالباً ما تظهر آثارها بسرعة على الجنين، وإذا كانت المرأة الحامل تمنع من التدخين الذي يعتبر اقل ضرراً ، فكيف بها إذا كانت تتعاطى المسكرات أو المخدرات والعياذ بالله.
 
 الوقاية من الحوادث المختلفة:
لم يهمل الدين الإسلامي مسألة الوقاية من الحوادث وأوجب اتخاذ الحيطة والحذر منها، سواء كانت حوادث منزلية أو بيئية، فهي مصدر أساس للإعاقات للإنسان عموماً وللأطفال على وجه الخصوص. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك به على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء" رواه مسلم. ولقد درج الناس على ترديد مفهوم القضاء والقدر عند وقوع الحوادث، وهذا المفهوم غير منكور، ولكن بعد إزالة الأسباب والحذر والحيطة والعمل على تلافي الوقوع فيها إما بالتوعية أو سن القوانين أو اتخاذ إجراءات وقاية، وما شابه ذلك. كما أن الإسلام لا يكتفي بان يكون المسلم مصدر ضرر للآخرين بل يطالبه بأن يتخذ مواقف ايجابية في إزالة الأسباب التي ينتج عنه الضرر، فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله " وإماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان" وقيل أيضاً " وإماطة الأذى عن الطريق صدقه" رواه مسلم. وفي حديث آخر " إرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة عن الطريق لك صدقة" رواه الترمذي. كما وجه الرسول عليه الصلاة والسلام المسلمين بقوله" ولا تتركوا النار في بيوتكم حين تناموا" أخرجه البخاري.
إذا، وقاية النفس من الأذى قاعدة إسلامية صريحة وردت في الكتاب والسنة، فكيف بها إذا خصت فلذات الأكباد الذين هم أحق بتجنيبهم ما يضرهم، حتى وهم أجنة في بطون أمهاتهم، قال تعالى " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى لتهلكة" (البقرة:195).
ومن ضمن الحوادث ذات التأثيرات الخطيرة على الأمهات والأطفال بشكل خاص حوادث الحروب، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن كان يبعد ويمنع الأطفال من المشاركة في الحروب والغزوات، وذلك لعدم قدرتهم على القتال، ولتجنبيهم الإصابات المختلفة التي قد تسبب الإعاقات، كما كان عليه الصلاة والسلام يمنع استعمال وسائل الإبادة في الحروب.  
 
الخلاصة والتوصيات:
 على الرغم من الاهتمام الزائد والجهود الكبيرة التي بذلت ولا زالت تبذل في الآونة الأخيرة من قبل المسئولين والمختصين وصناع القرار لتربية ورعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء المملكة، إلا أن الحاجة لمزيد من البذل والعطاء والجهد لازالت قائمة،  سيما أن الإحصاءات الحديثة في العالم العربي والإسلامي تؤكد أن أعداد هؤلاء الأطفال في تزيد بسبب التقدم في علم القياس والتقويم وانتشار الوعي الاجتماعي بضرورة الكشف عنهم رعايتهم، بالإضافة إل تعدد الأسباب المعروفة للإعاقات. وكما هو معلوم أنه من الصعب حصر الأسباب المختلفة للإعاقات التي تصيب الإنسان، وخاصة ما يتعلق منه بمرحلة ما بعد الولادة. فحتى الآن لم تعرف إلا حوالي 25% من أسباب الإعاقة التي سبق وأن أثبتت في الدراسات المختلفة التي تمت على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وعليه فإن دور الوقاية من هذه الأسباب، سواءً كانت معروفة أو لازالت خافية على العلماء والمختصين، مهم جداً وأساسي لحماية أفراد المجتمع من الضعف الناتج عن الإعاقة. وقد سبق التشريع الإسلامي العلماء والباحثين الحاليين في مجال تربية ورعاية المعوقين في وضع استراتيجيات الوقاية من الإعاقة عندما قدم حلولاً جذرية لدرء أسباب الإعاقة من الحدوث، وبالأخص ما يتعلق منها بالجانب الوراثي، حيث تبين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توضيح ما للوراثة من دور مباشر في تشكيل الأجنة حين قال علية الصلاة والسلام " تخيروا لنضفكم فإن العرق دساس" أخرجه ابن ماجه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم " إياكم وخضراء الدمن، قالوا وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء" أخرجه الدار قطني، كما قال عليه السلام " إن النطفة إذا استقرت في الرحم احضرها الله تعالى كل نسب بينها وبين آدم" أخرجه ابن جرير، وبالطبع بشمل هذا البعد من الوقاية أسباب الإعاقة في مرحلتي ما قبل وأثناء الولادة، حيث أكد التشريع الإسلامي على ضرورة اختيار الزوج والزوجة الصالحة، والابتعاد قدر الإمكان عن زواج الأقارب حتى لا يضعف النسل. كما راعي الإسلام حقوق المرأة الحامل في رعاية مناسبة والحفاظ عليها صحياً ونفسياً واجتماعياً، وتجنيبها كل ما من شأنه تعكير صفو مزاجها أو صحتها العامة.  
ولم يقتصر دور التشريع  الإسلامي في الوقاية على الجانب الوراثي، بل شمل التحذير من مغبة أسباب الإعاقة لمرحلة ما بعد الولادة، حيث أكد الإسلام على أهمية النظافة وتجنب الأمراض المعدية والمزمنة. كما كان رأي الإسلام واضحاً فيما يتعلق بالوقاية من الحوادث والإصابات التي قد تؤدي إلى إعاقات حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك به على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء" رواه مسلم. وهذا دليل واضح على ضرورة أخذ الحيطة والحذر عند القرب من أو التحرك في بيئات تشتمل على مصادر خطرة، وهذا التوجيه النبوي لم يأتي من فراغ، بل كان توجيهاً صريحاً من الخالق جل وعلا حين قال  " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى لتهلكة" (البقرة:195).
 
 مما تقدم يمكن الوصول إلى مجموعة من التوصيات في مجال الوقاية من الإعاقة، وهي:
أولا:
لقد أنعم الله على أهل هذه البلاد بأن شرفهم لحمل رسالة محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام والعمل على تعميم التوجيهات الإلهية والنبوية فيما يتعلق بأمور تنظيم الأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام. ولقد ترعرع كل فرد يعيش تحت سماء هذه الأرض الطاهرة على حب الخير والعمل به، وأصبح كل يتعلق بتعاليم الدين الإسلامي مثير للمشاعر والأحاسيس، ومحفز للعمل والبذل والعطاء، وعليه، لابد من استغلال هذا الجانب العاطفي لدى أبناء الوطن الغالي عن طريق تبني برامج توعوية دينية بدور الإسلام في رعاية فئات ذوي الاحتياجات الخاصة وأساليبه الناجعة في درء مخاطر أسباب الإعاقة في المجتمع المسلم.
ثانيا:
التأكيد على مبدأ الفحص قبل الزواج وتبيان أهمية ذلك عن طريق تبني مشروع برنامج إرشاد جيني لآباء وأمهات المستقبل أو الأزواج الذين هم في مقتبل مرحلة الزواج، أو الآباء والأمهات الذين تعرضوا لخوض تجارب سابقة في الإعاقة، يوضح فيه الآثار السلبية للجينات المتنحية وأبرز أسباب الإعاقة من الناحية الوراثية، وبالأخص ما يتعلق منها بزواج الأقارب الذي يًعد من أبرز أسباب الإعاقة في العالم العربي بشكل عام وفي المملكة بشكل خاص، مع ضرورة التطرق لبعض سبل تجنب هذه الأسباب والحلول العملية المقترحة.
ثالثاًً:
 يُعد المجتمع السعودي مجتمع صغير السن، حيث يصل متوسط الأعمار فيه إلى 17 سنة، وهذا يعني أن سن الشباب هو السمة الغالبة عليه، وغالباً ما يكون هؤلاء مؤهلين للزواج المكبر ؛ غير أنهم النضج النفسي والاجتماعي الذي يجعلهم مؤهلين لتكوين أسر صحيحة، وعليه ينبغي تبني مشروع توعوي شامل للأمهات حول السن المناسبة للحمل وسبل المحافظة عليه، مع تبيان مصادر التعلم والإرشاد التي يمكن الرجوع إليها أو الاتصال بها في حالة مواجهة مشاكل أسرية أو الحاجة إلى معلومة ما.
رابعاًً:
  يفرض الدين الإسلامي على ولي أمر المسلمين ضرورة الرعاية البدينة والعقلية والنفسية لكل فرد من أفراد المجتمع الذي يتولى أمره، وعليه ينبغي تبني مشروعات توعوية وطبية للعناية بالأم الحامل وتوجيه الاهتمام نحو ضرورة المتابعة أثناء الحمل والوضع في المستشفيات المتخصصة التي يتوفر بها كوادر مؤهلة ومدربة للعناية بالأم وطفلها.
خامساً:
من أبرز الوسائل التي تضمن التعرف على أسباب الإعاقة وتجنبها ما يتعلق ببرامج التدخل المبكر ، لذا  ينبغي تبني مشروع برنامج توعوي حول أهمية التشخيص المبكر للإعاقات أثناء فترة الحمل ومباشرة في فترة ما بعد  الولادة.
سادساً :
يتعرض أفراد المجتمع السعودي يومياً لجملة من الإصابات والحوادث التي تسبب إعاقات دائمة للكثير من الأبرياء بسبب الإهمال واللامبالاة، أو نقص الوعي ، وعليه ينبغي تبني مشروعات إعلامية توعوية حول السلامة العامة وأساليب الوقاية من الحوادث والإصابات.
 
المراجع:
o القرآن الكريم.
o صحيح البخاري (1995). عمان: دار الفكر.
o صحيح مسلم (1995). عمان: دار الفكر.
o البار، محمد علي (1998). الجنين المشوه والأمراض الوراثية. دبي: دار القلم.
o ابن منظور (ت. ب) لسان العرب. بيروت: دار صادر.
o جموع، زهير (1997). أشهر المعوقين في العالم. عمان: دار عمار.
o حوامده، مصطفى، و الصمادي عدنان (2003). مدى تأثير زواج الأقارب على انتشار الإعاقة العقلية. ورقة عمل مقدمة لمؤتمر رعاية ذوي الحاجات الخاصة في الإسلام، جرش، كلية الشريعة بجامعة جرش.
o حميش، عبدالحق (2003). رعاية المعوقين في الإسلام. ورقة عمل مقدمة لمؤتمر رعاية ذوي الحاجات الخاصة في الإسلام، جرش، كلية الشريعة بجامعة جرش.
o الروسان، فاروق (2000). دور المرأة الأردنية في برامج الوقاية من الإعاقة. ورقة عمل مقدمة للمؤتمر الوطني للمرأة الأردنية : واقع وتطلعات (1985)، في الروسان (2000). دراسات وبحوث في التربية الخاصة. عمان: دار الفكر.
o الزحيلي/ عبدالسلام (1999). زواج ذوي الإعاقات بين الواقع والطموح. عمان: جمعية العفاف الخيرية.
o الزهراني، علي بن إبراهيم (1419هـ). حقوق المعاقين في التربية الإسلامية. المدينة المنورة: دار البخاري للنشر والتوزيع.
o الصالح، صبحي (1996). معالم الشريعة الإسلامية. بيروت: دار العلم للملايين.
o علوان ، عبدالله (1991). تربية الأولاد في الإسلام. بيروت: دار السلام.
o علوان، عبدالله (1993). التكافل الاجتماعي في الإسلام. بيروت: دار السلام.
o الغالي، بلقاسم محمد (2003). الإعاقة من منظور الإسلام. ورقة عمل مقدمة لمؤتمر رعاية ذوي الحاجات الخاصة في الإسلام، جرش، كلية الشريعة بجامعة جرش.
o القريوتي، يوسف، السرطاوي، عبدالعزيز، والصمادي، جميل (2001). مدخل إلى التربية الخاصة. عمان: دار الفكر.

اقرأ أيضا:  الاعاقة السمعية : المناهج الدراسية المأمول تقديمها للمعاقين سمعياً
 

إعداد الدكتور/ أسامة بن حسن محمد معاجيني
الأستاذ المشارك ورئيس قسم التربية الخاصة بكلية المعلمين في محافظة جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *