حلم الزفاف.. هل تقف الإعاقة أمام تحقيقه؟

أما "هـ. ع" فلها حكاية أخرى؛ حيث لاحت لها بارقة أمل منذ سنوات طويلة حين تقدم لها شاب بسيط لخطبتها، لم يكن به ما يعيبه سوى قلة دخله؛ حيث لا يمكنه تحمل مسؤولية بيت الزوجية وتلبية متطلبات الحياة بيسر. رغم رفض أبيها الشديد فإن الأم حاولت إقناعه حتى تم عقد الزواج، واستمتعت العروس بأيام حلوة مع زوج المستقبل هدمها خلاف تافه بينه وبين أبيها.. ودفعت فاتورة هذا الخلاف الذي لا ذنب لها فيه بورقة طلاق قضت على حلمها الجميل الذي كاد يتحقق، وأمضت سنوات طويلة تعالج جرحها، وتقنع نفسها بالحظ والنصيب إلى أن تقدم لها رجل كبير السن متزوج ولديه أولاد وأحفاد، ولم يكن لها الخيار بعد أن وافق أبوها بحجة أنها تقدمت في السن، ولا بد لها من الزواج فقد لا تتاح لها فرصة أخرى.. وطلب الرجل من أبيها موعدًا ليتعرف عليها.. وبعد أن رآها عرفت أنه لام مَن أشار عليه بالزواج منها، ثم ذهب ولم يَعُد.

الحلم ليس بمستحيل
وتقول "ف. م" -تعاني من إعاقة بصرية-: "الإعاقة بمختلف أنواعها تمنع غالبًا المعاقين من الزواج.. وأحيانًا تؤخر زواجهم، لكن المشكلة هنا أنهم قد يقدمون تنازلات مختلفة للقبول بهم كأزواج أو زوجات، وهذا قد يسبّب مشاكل فيما بعد"، وتضيف: "أعتقد أنه يجب عدم إضفاء ظلال اليأس على المسألة؛ فهناك حالات عدة من المعاقات متزوجات، ويعشن كغيرهن من النساء".
ويبدو أن "ف. م" محقة إلى حد ما؛ فهذه "ن. ش" تصف حكايتها بسرور، رغم أنها فاقدة للسمع والنطق، فتكتب لنا وتقول: "تزوجت من رجل مطلق، ولديه طفلة، وحين تقدم لخطبتي لم  يكن يعلم مدى إعاقتي.. أخبره أهلي أنني لا أجيد النطق والسمع، ولكنه لم يعلم بأني لا أنطق ولا أسمع نهائيًّا".
وتضيف: "كنت متخوفة تمامًا وقلقة من أن أفقد فرصتي، خصوصًا أن الزواج كان حلم حياتي؛ فقد كنت أحلم دومًا بأن أنجب أطفالاً، ولكن رحمة ربي وسعت كل شيء. فقد حدث ود متبادل بيني وبين من تقدم لخطبتي، الذي قبل بأمر إعاقتي آملاً أن يتحسن الوضع بمرور الوقت، فتزوجنا وتعامل معي بالإشارة وبالكتابة -فأنا أجيد الكتابة لالتحاقي بمركز تأهيل المعاقين-، وقد عشنا سنوات من الحب والوئام، وربما كانت طاعتي واحترامي له سببًا في قبوله إعاقتي. تحقق حلم حياتي وأنا سعيدة بذلك؛ فقد رزقت بطفل سليم، وأحيا حياة سعيدة، كما يبدو أن زوجي لم يَعُد يشعر بإعاقتي؛ فقد اعتاد الأمر، فضلاً عن اهتمامه الشديد بتربية طفلنا، وعلى حد علمي فهو يشعر بسعادة في حياته معي؛ لأنه لم يُبْد غير ذلك".

اقرأ أيضا:  الاتجاهات نحو الأطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة

الخوف من الفشل
وقد عرضنا الموضوع على الخبراء والمتخصصين في علم النفس والاجتماع والتأهيل، وتنوعت الإجابات؛ فيجيب الدكتور "مصطفى الحاروني" مدرس علم النفس التربوي بجامعة حلوان على سؤال حول مدى تأثير الإعاقة البدنية في العزوف عن الزواج.. فيقول: "إن الحالة النفسية للإنسان المعاق أمر في غاية الحساسية والأهمية؛ فالمعاق سواء كانت إعاقته لأسباب عضوية أو نفسية يكون في الغالب حساسًا جدًّا لنوع الإعاقة التي يعاني منها؛ فنجد الطفل المعاق في الحركة مثلاً يشعر بأنه أقل من أقرانه، ويحس بالضعف، وينشأ عن هذا شعور بالنقص، وخاصة إذا كان هذا الشعور يؤكده كل من حوله من الأطفال، هذا الضغط النفسي الداخلي قد يسبِّب له عند الكبر الشعور بالإحباط والقلق والتوتر النفسي، ويجعل تصرفاته عدوانية في معظم الأحيان على المحيطين به أو العكس؛ فقد يسلك سلوكيات سلبية في المجتمع المحيط به الذي يسخر منه دائمًا".

وعلى النقيض من ذلك تمامًا الشخص المعاق الذي ينشأ في بيئة تحيطه بالرعاية والحب والاهتمام، وتحاول أن تخفِّف معاناته النفسية والجسدية الناتجة عن الإعاقة؛ فتجعل منه إنسانًا ناجحًا نافعًا لوطنه ومستقبله، ولا ننسى أبدًا أن الكثيرين من المشاهير والعلماء في العالم كانوا معاقين، والواجب أن تهيأ لهم الفرصة في الدراسة والعمل والإنتاج لبناء الوطن، وإحاطتهم بالظروف التي تعينهم على التغلب على تلك الإعاقة".

ويضيف الدكتور "شعبان جاب الله" أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة في إجابته عن نفس السؤال حول مدى تأثير الإعاقة البدنية في العزوف عن الزواج.. بقوله: "نستطيع أن نحدد في هذا الصدد عددًا من العوامل من بينها:
1- انخفاض تقدير الذات، والشعور بعدم الكفاءة من جرّاء التضخيم من التأثير السلبي للإعاقة على قيمة الإنسان.
2- ازدياد الخوف من رفض العرض بالزواج، خاصة لدى من تجرع مرارة الرفض من قبل أو لدى من يتوقعه كذلك.
3- تؤدي أساليب تربية ومعاملة المعاقين من قبل الأهل والمجتمع إلى نشأة ما يطلق عليه "الاعتمادية النفسية" أي الاعتماد على الآخرين في التفكير واتخاذ القرار، وفي التغلب على الاعتلالات المزاجية، والحرمان من فرص بناء مهارات الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية تجاه النفس والآخرين، وهي مهارات لا تخفى أهميتها في الحياة الزوجية، وإذا شعر المعاق بهذا -وهو ما يحدث كثيرًا- نراه يعزف عن الزواج، ويهابه في كثير من الأحيان.
4- تضعف الإعاقة من الفرصة التعليمية والمهنية، وهو ما يؤدي إلى قلَّة الدخل وتدهور المكانة الاجتماعية، وهما أمران يزيدان من ضعف فرص الزواج، ويؤديان إلى تأكيد الشعور بالدونية الاجتماعية والنفسية.
ويلاحظ أن هذه العوامل أو الخصائص النفسية لا توجد بالضرورة مجتمعة، وإنما تتفاوت في شدتها من فرد لآخر، وهي ليست قاصرة على المعاقين؛ حيث يعاني منها غيرهم أيضًا، وليس من النادر أن تجد معاقًا يتمتع بصحة نفسية يُحسد عليها من غير المعاقين، كما أن احتمال انتشار هذه الخصائص النفسية لدى المعاقين لا يعني على الإطلاق أنهم مرضى نفسيون.
إن الكثير مما يعاني منه المعاقون هو للأسف رد فعل طبيعي لظروف اجتماعية وثقافية غير طبيعية تنظر إلى المعاق كإنسان غير كامل القيمة الإنسانية، على الرغم من أنه لا يعاني إلا من غياب أو ضعف بعض الوظائف البدنية، وليسأل كل منا نفسه: هل تقبل أن تزوج ابنك معاقة أو تزوج ابنتك معاقًا؟ إن قلة منا سوف تدفعها عوامل شتى إلى الإجابة بـ"نعم" من حيث المبدأ، إلا أنهم لا شك سوف يترددون في الواقع.

اقرأ أيضا:  الإعاقــــة بالمفاهيم والمصطلحات العالمية

معاقات يرفضن المعاق!!
وتقول "هدى سعيد"، وهي اختصاصية بمركز تأهيلي للمعاقات، تعايش واقع المعاقات وتشاركهن همومهن وأحلامهن، وتعمل على حل مشاكلهن: تقربني مهام وظيفتي من الطالبات من ذوات الفئات الخاصة في المركز، وخاصة الكفيفات، وقد دارت حوارات عديدة بيننا حول مستقبل الطالبة المعاقة، وقد لاحظت أن وجهات نظرهن مختلفة، وقد حاولت تصنيفها في ثلاثة أنماط:
النمط الأول: يرفض فكرة الزواج من معاق؛ فهن يشترطن عدم الإعاقة في زوج المستقبل، أو على الأقل تكون إعاقته مختلفة عن إعاقتهن؛ فمثلاً تكون الطالبة كفيفة فلا تمانع في الزواج من معاق جسديًّا. ومثال لذلك أن طالبة كفيفة تزوجت طالبًا لديه إعاقة سمعية، وحياتهما ناجحة حتى الآن.
وكان من أهم أسبابهن لرفض الزواج من معاق:
1 – صعوبة تربية الأبناء.
2 – صعوبة سير الحياة الأسرية في مسارها الطبيعي.
3 – صعوبة اتصال الزوجين بالمجتمع الخارجي.
فإذا كان الزوجان يعانيان من نفس الإعاقة، وباعتبار أنه من المفترض أن الزوج عضو مكمل للزوجة؛ فإن معاناته من نفس الإعاقة -كأن يكون كلاهما كفيفًا أو كلاهما أصمّ أو كلاهما معاقًا إعاقة سمعية وجسدية- توجد العديد من الصعوبات تظهر في حياتهما فيما بعد.
النمط الثاني: يرفض فكرة الزواج نهائيًّا، وكل تفكيرهن متجه نحو مواصلة تعليمهن.
النمط الثالث: لا يمانعن في الزواج من معاق سواء لديه نفس الإعاقة أو إعاقة مختلفة.
 
إسلام أون لاين.نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *