متلازمة تيرنر Turner syndrome
إعداد: د. يحيى الموسى
متلازمة تيرنر هي اضطراب صبغي يصيب الإناث، وينجم عن هذا الاضطراب تبدلات في النمو والتطور لديهن. حيث أن النساء اللواتي يعانين من هذه المتلازمة يملن لأن يكن أقصر قامة من المعدل، كما أنهن قد يعانين من عدم القدرة على الإنجاب ( يصبن بالعقم)، وذلك نتيجة لفقد وظائف المبيضين .
هذا ويمكن أن تتنوع أشكال هذه المتلازمة عند النساء اللواتي أصبن بها لتتضمن ما يلي:
وجود جلد زائد على الرقبة، أو ما يعرف بالرقبة الوتراء ، كما يمكن أن يلاحظ توذّم أو انتفاخ في القدمين واليدين (وهو ما يعرف بالوذمة اللمفية lymphedema)، بالإضافة لوجود شذوذات هيكلية، واضطرابات قلبية heart defects واعتلالات كلوية.
وتحدث هذه المتلازمة بنسبة 1 من بين كل 2500 مولود أنثى في العالم، ولكنها أكثر شيوعاً في حالات الحمل التي لا تستمر حتى النهاية (كالإجهاض miscarriages، والإملاص stillbirths: والذي هو ولادة الطفل ميتاً بعد انقضاء فترة الحمل كاملة أو خلال مراحل من هذه الفترة).
كما وتجدر الإشارة إلى أن متلازمة تيرنر هي اضطراب صبغي مرتبط بالصبغي الجنسي X . ولكن لم تثبت الدراسات حتى وقتنا الحالي أي جين من الصبغي الجنسي X هو المسؤول عن معظم الأعراض والعلامات المصاحبة لمتلازمة تيرنر.
هذا وإن بعض هذه الدراسات قد أشارت إلى وجود خلل في أحد الجينات المعروفة والذي يدعى بالـ SHOX، والذي بدوره يعتبر ضرورياً لنمو وتطور وتمايز العظام. حيث أن غياب نسخة واحدة من هذا الجين يمكنها أن يسبب قصر القامة، والشذوذات الهيكلية الأخرىskeletal abnormalities التي تظهر لدى النساء المصابات بمتلازمة تيرنر.
إن الفتيات اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر غالباً ما يمتلكن قامة أقصر من المعدل. غير أن طولهن ربما يكون طبيعياً في السنوات الثلاثة الأولى من حياتهن، ولكنهن عادة ما يعانين بعدها من تباطئ في معدل النمو، وعند وصولهن لفترة البلوغ، لا يحدث لديهن التزايد الملحوظ في النمو، والذي يعرف بفورة النمو.
كما أن المبايض الفاقدة للوظيفة Non-functioning ovaries تعتبر من أبرز الأعراض الأخرى لمتلازمة تيرنر. إذ أنه وفي الأحوال الطبيعية تبدأ مبايض الإناث بإنتاج الهرمونات الجنسية sex hormones (كالإستروجين، والبروجيسترون) في بداية مرحلة البلوغ.
ولكن هذا لا يحدث لدى غالبية النساء اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر، بالإضافة إلى ذلك فقد لا تبدأ هؤلاء النسوة دورتهن الطمثية الشهرية، أو قد لا يبدين أي تطور في الأثداء دون اللجوء للمعالجة الهرمونية المعاوضة في سن البلوغ.
وتعاني العديد من النساء اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر، واللواتي يمتلكن مبايض فاقدة للوظيفة، وبالإضافة لذلك من العقم، وإنه ورغم كل ذلك فقد تمتلك أولئك النسوة مهبلاً، ورحماً طبيعيين بالمجمل.
كما أنه وفي مراحل الطفولة المبكرة، قد تعاني الفتيات المصابات بمتلازمة تيرنر من عدوى أذن وسطى متكررة middle ear infections، وهذه العدوى المتكررة قد تؤدي إلى فقدان السمع في بعض الحالات.
وتتمتع بعض الفتيات المصابات بمتلازمة تيرنر بمستويات ذكاء طبيعية، بالإضافة إلى مهارات نطقية ولغوية يمكن أن نعتبرها جيدة. غير أن بعض هؤلاء الفتيات قد يجدن صعوبات في الرياضيات، والمهارات الفكرية، بالإضافة إلى صعوبة في مهارات التحريك الدقيق للأصابع .
كما قد تتضمن الأعراض الإضافية لمتلازمة تيرنر ما يلي:
• وجود رقبة عريضة خاصة (والتي تدعى بالرقبة الوتراء )، بالإضافة إلى خط شعر منخفض، أو غير واضح.
• وجود صدر عريض، ومتباعد حلمات الأثداء.
• انحناء ظاهري في الذراعين، وخصوصاً عند منطقة المرفق .
• وجود نفخة قلبية ، والتي قد ترتبط في بعض الأحيان بتضيق الشريان الأبهر (وهو وعاء دموي خارج من القلب).
• الميل للإصابة بارتفاع الضغط الدموي (لذا يجب مراقبة الضغط الدموي بشكل دوري).
• الإصابة باعتلالات عينية ثانوية، والتي يمكن أن تصحح غالباً بارتداء النظّارات الطبية.
• الإصابة بالجنف Scoliosis (وهو تشوه في العمود الفقري)، ويحدث بنسبة 10 % لدى الفتيات المراهقات اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر.
• ويمكن أن تصبح الغدة الدرقية دون حد النشاط ( أي تصاب بالقصور) لدى حوالي 10 % من النساء اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر. ويجب أن تجرى الفحوص الدموية بشكل منتظم لاكتشاف هذه المضاعفات باكراً، وإذا كان هناك ضرورة، يجب أن تعالج هذه الحالة بتعويض الهرمونات الدرقية.
• كما أن النساء الأكبر عمراً، أو اللواتي يعانين من زيادة في الوزن بالإضافة لإصابتهن بمتلازمة تيرنر، هن أكثر عرضة نوعاً ما للإصابة بداء السكري.
• كما أن هشاشة العظام Osteoporosis يمكن أن يظهر نتيجة لنقص الإستروجين، ولكن يمكننا الوقاية من ظهوره عبر تناول المعالجة الهرمونية المعاوضة.
كيف يتم تشخيص متلازمة تيرنر؟
يمكن تشخيص متلازمة تيرنر عبر مراقبة ظهور عدد من الملامح السريرية المميزة لهذه المتلازمة، مثل الرقبة الوتراء webbed neck، والصدر العريض متباعد الحلمات. وفي بعض الأحيان يمكن أن تشخص هذه الحالة عند الولادة، نتيجة وجود مشاكل قلبية، أو رقبة عريضة لدى الطفل بخلاف المعتاد، أو وجود توذم في اليدين والقدمين.
وإن من أبرز المظاهر السريرية لمتلازمة تيرنر هي: قصر القامة ، وضعف تطور المبايض. كما أن العديد من الفتيات يمكن أن تشخص لديهن هذه المتلازمة في مراحل الطفولة الباكرة، وذلك نتيجة لوجود ضعف في النمو، بالإضافة للمظاهر السريرية الأخرى التي أسلفنا ذكرها. غير أنه يمكن أن يتأخر هذا التشخيص في بعض الأحيان حتى سن البلوغ.
ناهيك عن أنه يمكن في بعض الأحيان تشخيص متلازمة تيرنر خلال فترة الحمل، وذلك عن طريق التصوير بالأمواج فوق الصوتية. الأمر الذي يمكن تأكيده غالباً بالفحوص ما قبل الولادة، وذلك عبر أخذ عينات من الزغابات المشميائية للأم، أو أخذ عينات من السائل الأمينوسي amniocentesis، والتي تحتوي غالباً على خلايا تعود للجنين، والتي يتم إخضاعها لمجموعة من التحاليل الجينية لاكتشاف الأخطاء، والاضطرابات الوراثية الممكنة. فإذا ما تم تشخيص هذه المتلازمة قبل الولادة، يمكن للطفل أن يخضع لرعاية طبية مباشرة بعد الولادة من قبل أخصائي بأمراض الأطفال .
كما أن هذا التشخيص لا يتم تأكيده إلا من خلال إجراء الفحوصات الدموية، والتي تدعى بالتنميط المورثي، وهو اختبار يجرى لتحديد المكونات المورثية لصبغيات الأنثى.
ما هو علاج متلازمة تيرنر ؟
خلال مراحل الطفولة الباكرة، وحتى سن البلوغ، يمكن أن تخضع الفتيات لرعاية صحية من قبل طبيب أخصائي بالأمراض الغدية لدى الأطفال، وهو طبيب مختص في الاضطرابات الهرمونية والاستقلابية لدى الأطفال.
هذا وقد يكون إعطاء حقن لهرمون النمو مفيداً في بعض الحالات الفردية لمتلازمة تيرنر. حيث يمكن أن يبدأ إعطاء هذه الحقن في مراحل الطفولة الباكرة، وربما يؤدي إلى زيادة في طول القامة النهائي عند البلوغ بمقدار عدة إنشات.
كما أن المعالجة المعاوضة للاستروجين عادة ما يتم البدء بها في وقت البلوغ الطبيعي، أي حوالي سن الثانية عشرة 12 ليبدأ بذلك تطور الثديين لدى الأنثى. كما يمكن أن تعطى الإستروجينات والبروجيسترون في مراحل لاحقة لبدء الدورة الطمثية الشهرية، والتي قد تكون ضرورية للحفاظ على صحة الرحم، بالإضافة إلى أن الإستروجينات تعطى للوقاية من تخلخل العظام.
هذا وإن الأطفال الذين يولدون مع وجود نفخة قلبية، أو تضيق في الأبهر قد يحتاجون للخضوع إلى جراحة لتصحيح هذه الاضطرابات. غير أن أطباء القلبية هم الذين يحددون فيما إذا كنا بحاجة لمعالجة دوائية إضافية، أو تالية للجراحة.
وتجدر الإشارة إلى أن الفتيات اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر يكنّ أكثر عرضة للإصابات المتكررة بعدوى الأذن الوسطى. وقد تؤدي هذه الإصابات المتكررة بالعدوى إلى فقدان في السمع، ويجب أن تقيم هذه الحالة جيداً من قبل الطبيب المختص بأمراض الأطفال. كما يمكن أن نلجأ إلى أخصائي بأمراض الأذن والأنف والحنجرة ear, nose and throat specialist (ENT) للعناية ببعض المشاكل الصحية التي قد ترتبط بهذه المتلازمة.
ارتفاع ضغط الدم هو أمر شائع الحدوث لدى النساء اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر، وفي بعض الحالات، قد يكون الضغط الدموي المتزايد ناتجاً عن تضيق الشريان الأبهر، أو الاعتلالات الكلوية. ولكن في معظم الأحيان لا يكون هناك سبب محدد لهذا التزايد في الضغط. كما يجب أن تتم مراقبة الضغط الدموي بشكل مستمر، وعند الضرورة يمكن أن نلجأ إلى المعالجة الدوائية لضبط هذا الضغط المرتفع.
وإن النساء اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر هن أكثر عرضة إلى حد ما للإصابة بقصور نشاط الدرق، أو الإصابة بالداء السكري. وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار لدى إجراء التقييم، والفحوصات الدورية، والبدء بمعالجته إذا لزم الأمر.
كما أن الفحوص الدورية والاختبارات الدموية ضرورية جداً في هذه المتلازمة. حيث توجد مراكز وعيادات متخصصة برعاية الفتيات والنساء اللواتي يعانين من متلازمة تيرنر في بعض المناطق والبلدان.
إذ أن الكشف المبكر، والرعاية الأولية الوقائية بالإضافة للعلاج الباكر لأية مضاعفات قد ترتبط بهذه المتلازمة له دور بارز في العلاج والوصول إلى حالة الاستقرار.
ورغم أن معظم النساء اللواتي يعانين من هذه المتلازمة يصبن بالعقم، إلا أن الحمل ممكن إذا ما تم منح مضغة لها، حيث أسلفنا الذكر أن الرحم غالباً ما يكون طبيعياً لدى النساء اللواتي يعانين من هذه المتلازمة. الرعاية الصحية، والمعالجة الداعمة للأنثى التي تعاني من متلازمة تيرنر يمكن أن يقود إلى حياة طبيعية وصحية لها.
هل تعتبر متلازمة تيرنر اضطراباً موروثاً؟
أظهرت الدراسات أن هذه المتلازمة ليست موروثة في العائلات، وهي تحدث عندما يكون أحد الصبغيين X الموجود بشكل طبيعي لدى الأنثى مفقوداً أو غير مكتمل.
ورغم أن السبب الدقيق للإصابة بهذه المتلازمة غير معروف حتى وقتنا الراهن، إلا أنه يبدو بأن هذه المتلازمة تحدث نتيجة لخطأ عشوائي خلال تشكل النطفة أو البويضة.
حيث أن الإنسان يمتلك 46 ستة وأربعين صبغياً (46 chromosomes)، والتي تحتوي كل جينات الشخص والمادة النووية الخاصة به أيضاً.
وإن زوجاً من هذه الصبغيات، تدعى بالصبغيات الجنسية، هي التي تحدد جنس هذا الشخص. وحيث أن كلا الصبغيين الجنسيين لدى الأنثى يدعى بالصبغي X (X chromosomes) ويعبر عنهما بالشكل (XX). أما بالنسبة للذكور، فإن الصبغيين يكون أحدهما X والآخر Y، ويعبر عنهما بالشكل (XY).
وإن هذه الصبغيات الجنسية تساعد الشخص على التمتع بالخصوبة، بالإضافة للخصائص الجنسية الأخرى.
غير أنه وفي متلازمة تيرنر، قد لا تمتلك الفتاة الزوج المعتاد للصبغيات المكتملة X.
وإن التسلسل المعتاد لهذه المتلازمة يكون بأن لا تمتلك الأنثى إلا صبغياً واحداً من النمط X فقط في خلاياها.
غير أن بعض الفتيات اللواتي يعانين من هذه المتلازمة يمتلكن صبغيين من النمط X، ولكن أحد هذه الصبغيين يكون غير مكتمل.
وفي حالات أخرى، يلاحظ أن بعض الفتيات اللواتي يعانين من هذه المتلازمة يمتلكن صبغيين من النمط X في بعض خلايا أجسامهن، ولكن الخلايا الأخرى تمتلك صبغياً واحداً فقط، وهذه الحالة تدعى بالفسيفساء.