الحب …الزواج…السياسية

حتى الفشل في الحب عذاب نفسي رائع! الفشل العاطفي قد ينتهي بتدمير العاشق الخائب، أو يحفزه على النجاح في الحياة. لكن الجرح يبقى غائرا في القلب إلى آخر خَفْقَة حياة.

هذه هي الرؤية الكلاسيكية للحب التقليدي. غير أن الثورة الجنسية في ستينات القرن الماضي اشاعت ديمقراطية الحب. بات الحب حقا لكل انسان، من غير شرط أن ينتهي كل حب بزواج. أصبح الحب للحب متعة لملايين العشاق من كبار وصغار. مهدت لهذه الديمقراطية العاطفية ثورة التنوير والثورة الرأسمالية الصناعية. كلاهما حرر الحب من قيود الكنيسة. كلاهما دفع الرجال والنساء إلى اللقاء في المدينة. في المصنع. في المكتب. في المتجر. في الشارع. في الجامعة والمدرسة. في المقهى…

ثورة الستينات جعلت الحب الممتنع سهلا ومتاحا. ثم جاءت ثورات الاتصال الالكترونية منذ التسعينات لتهدم الفواصل والحواجز بين العشاق، حتى في أشد المجتمعات انغلاقا وفصلا بين الجنسين. ان الصوت رسول العشاق وممهد للقاء. الصوت حافز أكبر لكسر القيود والتقاليد.

لكن الحب ما زال خطرا على الحياة السياسية. المؤسسة السياسية، عموما تتمسك بفضائل العائلة والزواج، حتى في أشد الدول والمجتمعات انفتاحا وتسامحا. ما زالت السياسة كالكنيسة تفترض في السياسي الزواج. هيلاري غفرت لزوجها بيل مغامرة الحب الشفهي مع مونيكا لوينسكي. غالبت قهرها العاطفي. تريده أن يظهر بجانبها في الحملة الانتخابية، ارضاء لملايين الأسر الأميركية الفاضلة.

«نيويورك تايمس» المؤيدة لهيلاري كشفت عن مغامرة عاطفية لمنافسها العجوز الجمهوري جون ماكين (71 سنة) مع امرأة بنصف عمره خلال حملته الانتخابية الفاشلة قبل ثماني سنوات. قالت الصحيفة ان مدراء الحملة أجبروا الفتاة على مغادرة العاشق العجوز، كيلا تحطم مستقبله السياسي. قَبْلَ ماكين، دمر غاري هارت وادوارد كيندي فرصهما الانتخابية الرئاسية. الأول عندما أجلس فتاته بلباس البحر على ساقيه. الثاني سقطت به وبفتاته سيارته في البحر. غرق حبه ومستقبله الرئاسي. خرج هو سالما. لكن لم يجرؤ على ترشيح نفسه. خاف أن يلقى مصير شقيقيه الرئيس جون وروبرت. إداورد اليوم من أقدم واقوى الزعماء الديمقراطيين في الكونغرس.

اقرأ أيضا:  العلاقة بين المياه المعدنية وسرطان الثدي

بعض الزعماء دعموا شعبيتهم وحياتهم السياسية بالحب والزواج. تزوج عرفات سكرتيرته المسيحية سهى التي تصغره سنا، فدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية. كانت عذرية جمال عبد الناصر وإخلاصه لزوجته من ركائز جماهيريته. أحاطت «الندية» ايفيتا زوجها خوان بيرون بهالة الشعبية الواسعة. اضطر مساعدو الزعيم اليوغسلافي تيتو لملء مكتبه الرئاسي بفتيات جميلات. لعب الحب دوره. اقترن تيتو بالفتاة بيانكا، فأضفى الزواج مزيدا من احترام اليوغسلافيين لزعيمهم الكبير.

ارتبط سنة لبنان تاريخيا بالعروبة من خلال تعلقهم بالوحدة مع سورية. جارى زعماء السنة أبناء طائفتهم في الزواج من سوريات. ما زالت هذه العلاقة الاجتماعية قائمة بين المجتمعين الشقيقين، على الرغم من حملات الكراهية المتبادلة حالياً بين ساسة البلدين.

أذكر هنا ثلاثة زعماء لبنانيين تزوجوا من أسر سورية عريقة. تزوج رائد الاستقلال رياض الصلح فتاة من أسرة الجابري الحلبية. صاهر الزعيم الراحل صائب سلام أسرة مردم الدمشقية. اقترن تقي الدين الصلح بسيدة من آل البرازي في حماة كانت أرملة سياسي لبناني. أضيف إليهم زعيما درزيا معاصرا هو وليد جنبلاط هو زوج  ابنة أحمد الشرباتي وزير الدفاع السوري الأسبق.

الزوجة الأولى تعاني من ظلم الساسة والمسؤولين. يتقدمون في الثراء ويترهلون في البقاء. فيجددون شبابهم بالزوجة الثانية. ظل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أمينا وفيا لزوجته ورفيقة عمره. غير أن عددا كبيرا من رجال نظامه أضافوا إلى تراثهم الزوجة الثانية. نسوا الحبيبة الأولى التي شَقَوْا حتى رضيت بهم أزواجا.

هل عرف الساسة والزعماء الحب، وكانوا سعداء في الزواج؟

كل انسان عرف حبا في حياته. الزعماء والساسة ليسوا استثناء. المرأة تجتذبها الشهرة والمال في الرجال قبل الوسامة، ربما باستثناء سيسيليا زوجة الرئيس ساركوزي السابقة التي تركت الرجل في أوج انتصاره كسير القلب. أصلح ساركوزي العطب في القلب بزوجة أخرى. الرئيس الداهية الراحل فرانسوا ميتران اختار باباً مُوارباً. الزوجة الثانية محرمة في المسيحية. ملايين الرجال والنساء يجدون الحل في الحب. الحب لعشيق أو عشيقة. أنجب ميتران من عشيقته ابنته «غير الشرعية» ميزانين. بقي هنا السياسي المثقف لغزا غامضاً حائراً بين السرطان والحب والموت. عندما اقترب منه الموت راح يطرق أبواب القساوسة والفلاسفة والمثقفين. يناقشهم في ماهية الموت وما بعد الحياة. عندما مات وقفت الزوجة والعشيقة وميزانين جنبا إلى جنب أمام الجثمان في الكنيسة.

اقرأ أيضا:  الأسبرين ينقص خطر السرطان عند الأشخاص ذوو الوزن الزّائد

المال قد لا يجلب السعادة لرجالات السياسة والحياة العامة. كل مليارات محمد الفايد لم تسعده. ما زال يلاحق قضائيا الاسرة البريطانية المالكة. يركبه هاجس الاعتقاد بأنها «اغتالت» مع المخابرات البريطانية الاميرة ديانا الزوجة السابقة لولي العهد الامير تشارلز وعشيقها «دودي» نجل الفايد، لانها كانت على وشك الزواج منه. هذه هي الديمقراطية الرائعة التي تساوي امام القضاء بين الملوك ومهاجر ثري لم يحصل على الجنسية البريطانية.

كتب زوج على قبر زوجته الراحلة: «لقد انطفأ سراج حياتي». خفق قلب الأرمل للحب مرة أخرى. ذهب الى القس حائراً ماذا يفعل؟ اجابه القس: الأمر في غاية البساطة. أضف هذه العبارة على قبر الزوجة الراحلة: «لكني أضأت سراجا آخر».

أصعب ما في الوجود ذكاء الزوجة الجاهلة. اشقت الزوجة الفيلسوف الكبير سقراط. لكنه كان ينصح ابنه بأن يضيء سراجا في حياته: «تزوج، يا بني، تزوج. اما ان تكون سعيدا. واما ان تغدو فيلسوفا».

وأنت يا بنيَّ تزوج من تحب. إذا اخفقت في الحب، فلا تظن ان لا حياة بعد الفشل. نعم، ما الحب إلا للحبيب الأول. لكن تَذَكَّرْ، يا بنيَّ، ان البحر مليء بالأسماك التي تنتظر بلهفة الطُعْمَ في صنّارة الصياد.

د. ياسر متولى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *